Powered By Blogger

الخميس، 7 فبراير 2013

باريس



إن التاريخ المعلن عن ميلاد أم كلثوم هو مايو ١٩٠٤، وإن كان البعض يعتقد أنها ولدت قبل ذلك التاريخ وأن عدم الدقة في تسجيل أسماء المواليد في الريف في ذلك الوقت حال دون تسجيله في موعده، ومع ذلك يظل عندنا هذا التاريخ، المتعارف عليه والذي كان مكتوباً في جواز سفرها الدبلوماسي الأحمر، الذي ظلت تحمله حتي وفاتها في عام ١٩٧٥.

 فإلي جانب كونها فنانة لا مثيل لها في تاريخنا، من حيث نوعية الصوت الذي شمل طبقات الغناء من طبقة «الألتو» الغليظة وحتي طبقة «السوبرانو» الحادة، وهو ما لم تكن تقدر عليه أي مغنية أوبرا عالمية من ماريا كالاس إلي مونسرات كاباييه، فقد كانت أم كلثوم في الوقت نفسه ظاهرة ثقافية فذة،
جسدت مبدأ الأصالة في الفن واستطاعت تطوير الأداء الغنائي دون أن تفقد ارتباطها الوثيق بأصول الطرب الشرقي التي تنبع من الإنشاد الديني ومدرسة التجويد القرآني، التي اختصت بها مصر، والتي تعلمت أم كلثوم الغناء من خلالها.
أما من الناحية الاجتماعية، فقد كانت أم كلثوم مثالاً يحتذي للمرأة التي علمت نفسها بنفسها والتي فرضت وجودها علي مجتمع كانت تغلب عليه النزعة الذكورية. فكم نحن في حاجة اليوم ونحن نلوك أحاديث تمكين المرأة ومساواتها بالرجل، أن نحيي ذكري من نجحت في ذلك دون مساعدة من دولة ولا من مجلس قومي للمرأة.
وعلي المستوي السياسي كانت أم كلثوم مثالاً للفنان الملتزم بالقضايا القومية لوطنه، وهي لم تكتف فقط بالتغني بمصر وبزعيمها جمال عبدالناصر أو بالقومية العربية، لكنها كانت أحد جنود هذا الوطن في معركته من أجل التحرر من آثار العدوان وتحقيق الأماني القومية من العدالة الاجتماعية إلي الوحدة العربية، وليشر أحد لي بإصبعه إلي فنانة واحدة الآن علي الساحة العربية تنطبق عليها هذه الأوصاف، من: إليسا أم هيفاء وهبي أم روبي؟!









كل ذلك كان يجب أن يدفعنا للسعي حثيثاً لإحياء ذكري كوكب الشرق، التي قالت عنها الكاتبة الأمريكية فريجينيا دانييلسون في كتابها الشهير «The voice of egypt» «أم كلثوم: صوت مصر» إن حياتها هي «قصة الفتاة الريفية التي شبت لتصبح الرمز الثقافي لأمة بأسرها».

لذلك فقد قلت لرئيس معهد العالم العربي حين سألني كيف يمكن لمعهد العالم العربي في باريس أن يحتفل بأم كلثوم من دون أن يكرر ما يمكن أن تكون قدمته مصر في احتفالها بهذه الذكري: اطمئن يا صديقي، فأي شيء تقدمه سيكون جديداً، لأننا في مصر لم نسمع بتلك الذكري ولم نحتفل بها، ثم قلت له إني أتصور أن الاحتفالية يجب أن تقدم أم كلثوم كظاهرة فريدة في التاريخ الثقافي للأمة العربية وليس فقط كمطربة عظيمة،
لأن عظمتها لم تكن فقط فيما حباها الله من موهبة صوتية جعلت مجلة «لايف» الأمريكية حين كتبت عنها في الستينيات تعنون مقالها «الصوت المجيد لأم كلثوم «umm kalsoum the mighjy voice of» وإنما أيضاً فيما كانت تمثله فنياً وثقافياً واجتماعياً وسياسياً، عسي أن نعي الدرس ونصلح من حالنا في جميع هذه المجالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق