Powered By Blogger

الثلاثاء، 29 يناير 2013

«أطلال» السنباطي: الثراء المنهك والكيمياء المفقودة


«أطلال» السنباطي: الثراء المنهك والكيمياء المفقودة


الوقت - أحمد العبيدلي: ... أعرف أنها أصعب ما غنّت أم كلثوم، وأعرف أيضاً أنها ظلت تتصدر ليس مبيعات أغانيها فقط وإنما الأغاني العربية ككل ولفترات طويلة. وظلت لسنوات عديدة تحتل المركز الأول لتلك المبيعات بعد وفاة مؤديتها العام 1975 لتلحق بمؤلفها إبراهيم ناجي (1953) وليلحق بهم آخر الثلاثة ملحنها رياض السنباطي (1981). وكان حين لحنها قد اختلف وأم كلثوم حسب ما يروي سحاب علي كيف يقفل في نهاية الأغنية هل كما ورد إلينا وسمعناه أم بنبرة أخرى. وحين احتدم الخلاف، سحب السنباطي اللحن، وأقفل عليه درج مكتبه. حينها لم يكن قد مضى على انتهاء الخلاف المديد والطويل مع شيخ الملحنين زكريا أحمد (1896-1961) غير خمس سنوات وهي قطيعة أثّرت على أم كلثوم، وتركت في نفسها ندوباً ومخاوف. وبأية حال حينها كان زكريا قد توفي، ومحمد القصبجي (1892-1966) اعتزل التلحين فلم يعد بين يديها من الملحنين ممن يقترب من مزاجها الفني ورؤيتها الفكرية لأدائها الغنائي إلا السنباطي، فلم ترد للخلاف أن يستمر، وأن يؤدي إلى قطيعة. وحين فُتِح الدرج بعد سنتين، وأعيد الجدال حول الأغنية اقترح السنباطي حلاً وسطاً بأن يكون الجمهور هو الحكم، فتقوم أم كلثوم بغناء خاتمة هذا العمل العظيم بنَفَس السنباطي، فإن لاقى الأمر قبولاً من ‘’سُمّيعتها’’ استمرت عليه، وإلا ركن السنباطي لرأي المؤدية. فكان للأداء الأول، ولاستجابة الجمهور المنبهر، الرأي الحاسم لترجيح رأي الموسيقار، وتركت المطربة للنجاح الجماهيري أن يحقق السطوة على روحها الإبداعية. حين أدتها أم كلثوم، قالت عنها إنها أرهقتها كما لم ترهقها أغنية في حياتها. وبدوري أرهقتني استماعاً، ولاتزال، كما لم ترهقني أي من بدائع الست، وشوامخ السنباطي. بيني وبينها كيمياء مفقودة، ولربما تكاد تكون الأغنية الوحيدة الكلثومية التي تتعبني حين أسمعها مكتملة. وهي على غير عادة القصائد السنباطيات: لا تأخذني من مقطع إلى مقطع وإنما تنتصب مقاطعها مستقلة، كل مقطع متطلب بنفسه، شديد الإبهار بحد ذاته. وأتوقع أنها قد أرهقت ملحنها، حيث إنها تختلف في مبناها عن بقية قممه من القصائد. لربما عاد الأمر إلى أن السنباطي الذي لم يشعر أبداً أنه في تنافس حقيقي على مكانته في بلاط أم كلثوم مع محمد عبدالوهاب (1902-1991) لعقود عديدة، وجد نفسه وعلى حين غرة مضطراً للتعامل مع العامل الوهابي بعد الاتفاق على أن يلحن عبدالوهاب ‘’أنت عمري’’، والتي برزت في 6 فبراير .1964 ظل عبدالوهاب بعيداً عن أن يلج الدار الكلثومية التي بناها السنباطي بنفسه في الأساس، فتوازى الملحنان في نشاطهما الإبداعي: تلقى إبداعات السنباطي طريقها للجمهور أساساً عبر أم كلثوم، ويواصل عبدالوهاب النشاط في ساحة مفتوحة: تشتمل على أدائه وأداء أي من المطربين فيما عدا سيدة الطرب، أم كلثوم. واستمر الحال حتى أعطت أم كلثوم مساحة من صوتها لعبدالوهاب، فوجد السنباطي الهادئ، الرزين، الوقور نفسه مضطراً أن يدافع عن مملكة شادها وأم كلثوم في نمط الحفلات لما ينوف على الثلاثة عقود. اضطر السنباطي الذي كان يبرع في العود، ويرتاح إلى القانون، ويجعلك كأنك تمشي على الماء إذا ما أفرد مساحة للكمان، ويمس شغاف قلبك إن استدعت ألحانه الناي، هذا الملحن من الوزن الثقيل، اضطر أن يُدخل البيانو وأن يستعمل الأورج الكهربائي دفاعاً عن إنجازاته وخطه التلحيني. لم يأت عبدالوهاب بألحان جديدة لأم كلثوم فقط، وإنما اجتذب أيضاً جمهوراً مختلفاً لها. اجتذب للمغنية التي كانت أوج نضجها وعلى وشك الدخول لخريف أيامها أيضاً، مستمعيه الخاصين وأضاف لهم أجيالاً جديدة أبدت استعداداً لسماع أم كلثوم بعد أن قبلت الأخيرة بآلات مختلفة وألحان طازجة وموسيقى لم تتضمنها أغانيها السابقة. وبعد المسرح الذي كان بالكاد يتسع لبضع مئات، أخذت ألحان عبدالوهاب أم كلثوم لمسرح يتسع لما يزيد على الألف. كان على السنباطي أن يتحاور وهؤلاء، وأن يستجيب للتحدي الجديد. حقق نجاحات ضمن شروطه في كثير من الأحيان، ولكن يبدو أنه اضطر إلى التجريب في أحيان أخرى، تحت ضغوط فنية لم يشهدها بيته، ومكان إبداعه من قبل. ؟ ؟ ؟ أنشدت أم كلثوم الأطلال في 14 حفلة في مصر بقي منها 14 تسجيلاً 5 منها رديئة الحفظ حسب الصايع.
 وغنتها كوكب الشرق لأول مرة في سينما قصر النيل في 7 أبريل/ نيسان 1966 لمدة أربع وثمانين دقيقة. 
وأدت من بين تلك الحفلات اثنتين تبرعاً منها للمجهود الحربي بعد هزيمة حزيران1967 في الحرب مع إسرائيل. وأضافت لها أداءين تاريخيين في مسرح الأولمبيا بباريس في نوفمبر .1967 وأدتها أيضاً مرتين في المغرب في مارس/ آذار 1968 ومرة واحدة في الكويت. وأدتها في حفلة شهيرة في تونس وأخرى في بعلبك بلبنان. كما أدتها في السودان في ديسمبر/ كانون الأول ,1968 وبنغازي بليبيا في مارس ,1969 وكان آخر أداء لها في مسرح أبوالهول بالهرم في 18 يونية ,1969 وبعد أن أخذت أم كلثوم في تقصير حفلاتها لتشتمل على أغنيتين بدل الثلاث، فكانت مدتها في أدائها الأخير 52 دقيقة. أما أطول أداء لها فقد كان في مسرح محمد الخامس في المغرب عام ,1968 حيث دام 92 دقيقة. وماذا بعد؟ ها قد مرت أربعون من السنين على ما قام به السنباطي، وأنا أدوّن رأيي بعد سماعي لها على مدى تلك السنين. على أن ثقتي بالسنباطي لا تحد، وكم أود لو تسنى لي أن انتظر وحتى لو تطلب الأمر أربعة عقود أخرى، فلربما غيّرت انطباعي عن الأغنية. واستعدادي مطلق لإعادة النظر وأنا منفتح على أعماله دوماً للتفكر فيها وتقويمها. المسألة الأساس في تلك الأغنية أنها ثرية بألحانها، إلى حد الإنهاك. ؟ ؟ ؟ وعودة إلى لحفل لا فونتين الأخير في المنامة الذي شدت فيه المغنية اليهودية الأبوين المغربية الأصل سافو بأغنية الأطلال، أمام حضور زاد على المائة والخمسين. وكان مفتاح أدائها للأغنية مسألتين: فكان أول ما تلفظت به هو قولها إنها، أي الأغنية، أغنية صعبة. وثاني المفاتيح أن تخوفها مما إذا كانت قد لاقت نجاحا، قد أخذ بها إلى التوقف بعد أدائها: ‘’أين من عيني حبيب ساهر’’ لتسأل الجمهور إن كان يعتقد أن تواصل أم لا، وحين أشار الجمهور بالإيجاب واصلت. ويؤكد كلا الأمرين طبيعة الأغنية الصعبة. استمع لها الحضور بأدب في البداية، ولكنها تمكنت من انتزاع إعجابه في النهاية، بشكل فاق تجاوبه حتى مع أدائها بالفرنسية والإسبانية. وكانت قد قسمت الحفل قسمين: الأول خصصته لأغان أوروبية، والثاني، واستجابة لاقتراح السفيرة الفرنسية مليكة في المنامة خصصته لأم كلثوم. وكان جل المستمعين لها من العرب أو من الأجانب. حين تحدثتُ معها خلف الكواليس، بدأت بالتأكيد بأنها لا تحاول أن تغني كأم كلثوم وإنما تحاول أن تغني أغانيها فقط، لتجعل الجمهور يستثار بما يُقدّم ويسأل عما يسمع. ويقطع مثل هذا القول أية محاولة لمحاكمة ما قدمته مقارنة مع الأصل، فهو وإن حاول أن يستفيد من الأداء الكلثومي، لكنه لا يدعي محاولة الوصول إليه. ولذلك تبدو أية رغبة في التقويم النقدي ليست ضرورية وغير ذات جدوى. وعلى هامش حفلة البحرين، فهي تقول إنها قد غنّت في غزة ورام الله والقدس وتل أبيب، وكانت تصر على أداء أغان مصرية، وتؤكد على كلمة مصرية، في تل أبيب، بينما تغني أغانيها الخاصة في غزة. وقالت إن لافونتين مكان جميل للأداء، ولكن كان من الصعوبة بمكان انتزاع حماس الجمهور وجعله قريباً من روح الغناء المؤدى. وقالت إن السنباطي هو الملحن الأعظم، وهو شرقي بلا منازع والأقرب إلى قلبها. وهو يؤلف بكلاسيكية، وألحانه نقية. وقالت إن لحنه لـ ‘’الأطلال’’ يبدأ بهدوء مثل طائر يحلق، ويأخذ في الارتفاع بقوة، ليصل القمة في نهاية الأغنية ثم يهدئ من السرعة للوصول إلى النهاية. ومرة أخرى يضيف الحضور الكلثومي في البحرين لنفسه رصيداً ومكانة، وهو يجذب أعداداً وفئات جديدة. وهكذا استمعت البحرين إلى ‘’الأطلال’’ ولم تكن قد نست بعد سماعها لـ ‘’سلو قلبي غداة سلا’’ قبل أسابيع. وكلنا أذان! 
عن قصيدة الاطلال و ملحنها الموسيقار العملاق الراحل رياض السنباطي كتب الاستاذ : احمد العبيدلي في جريدة الوقت البحرينيه ( يوميه .سياسيه . مستقله ) العدد 474 الصادر بتاريخ 9 - 6 - 2007 التالي : -
على هامش أداء سافو في لافونتين
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق