السيدة التي أخرت ظهور الشمس .. بقلم الأستاذ أنيس منصور
نشر هذا المقال في مجلة الكواكب في 6 نوفمبر 1962
كلما استمعت إلي أم كلثوم أدركت أن الدولة عندما ألغت الأوراق المالية
في فئة المائة جنيه قد أحتفظت بهذه الأوراق الكبيرة.. في صوت أم كلثوم وعبد
الوهاب وأقلام العقاد وطه حسين والحكيم.فهذه الأوراق المالية التي لا يمكن
إلغاؤها، أما الباقون فهم الفكة .. فهم الأوراق الصغيرة.!لقد أستطاعت أم
كلثوم بذكائها وشخصيتها وصوتها الجميل ان تفرض احترامها علي الناس .. أن
ترفع مستووي الغناء الشرقي .. أن ترفع مستوي المطربة التي كانوا يسمونها
"العالمة" أنها الآن فنانة... أنها كوكب الشرق . لقد أفلحت أم كلثوم في أن
تخرس السنة عشرات الألوف من الرجال،في كل لحظة ترتفع فيها علي المسرح وهو
أول ما تتمناه كل زوجة وكل حماة.! أنها المرأة الوحيدة التي يدين لها
الرجال بالدموع والأهات، والذين يحسبون ليالها من ليالي العمر، ويجدون
شيئاً يحمدون الله عليه وهم مخلصون ..!وأنت مع أم كلثوم لا تعرف ما الذي
تفعله هذه السيدة ...فهي السيدة الوحيدة في العالم . المطربة الوحيدة في
العالم التي تغني الأغنية الواحدة في ساعة وساعتين ... أن الأوبرا التي
يشترك في غنائها العشرات من المطربين.. المختلفي الأصوات والأشكال
والأزياء، ووراهم مناظر وديكوروستار يعلو ويهبط لا تزيد هذه الأوبرا عن
ساعة ونصف واحياناً ساعتين تتخلها أستراحات قصيرة وطويلة .. لكن أم كلثوم
بفستان واحد وبمنديل واحد .. وقفة واحدة واوركسترا واحدة واحد ومنظر واحد
ولحن واحد .. لملحن واحد وشاعر واحد وفي ليلة واحدة، تستطيع أن تذيب الناس
في عرق ودموع، وان تحرقهم بدموعها هي، وأن تبخرهم علي شكل أهات، وأن تميتهم
وتبعثم الي العالم الأخر في أثواب الملائكة .. كل ذلك يحدث في ليلة .. كل
ليلة .أن أم كلثوم قد أخرت ظهور شمس تطوير الأغنية العربية .. أخرت الشمس
كما فعل النبي يوشع..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق