أنشأت محكمة النقض فى مصر فى 2 مايو سنة 1931 محكمة واحدة مقرها القاهرة ، بوصفها قمة الهرم القضائى ورأس السلطة القضائية احدى السلطات الثلاث القائم عليها نظام الحكم فى مصر وبعد أن كان قضاء النقض دائرة من دوائر محاكم استئناف القاهرة . وهكذا استمر وضع محكمة النقض طبقاً للدستور المصرى الحالى الصادر سنة 1971 وقانون السلطة القضائية المكمل للدستور ( مادة 165 من الدستور ومادة 1 من قانون السلطة القضائية) .
وإذا كان قد أنشأ فى مصر ، فيما بعد ، مجلس الدولة الذى إختص بالمسائل الادارية ، ثم المحكمة الدستورية العليا التى إختصت بالنظر فى دستورية القوانين ، فقد اخرجهما الدستور عن محاكم السلطة القضائية ونص على إنهما هيئتين قضائيتين مستقلتين واسند إليهما اختصاصات محددة بذواتها ( مواد 172 ، 174 ، 175 من الدستور ) بينما استمرت الولاية العامة فى المنازعات لجهة المحاكم وعلى رأسها محكمة النقض ( مادة 15 من قانون السلطة القضائية ) . وشكلت محكمة النقض برئاسة رئيس محكمة النقض ، الذى هو أيضا . طبقاً للدستور وقانون السلطة القضائية ، رئيس هذه السلطة ورئيس مجلس القضاء الأعلى الذى يختص بنظر كل شئون القضاء والقضاة وأعضاء النيابة العامة ، ولا يجوز اصدار قانون يتعلق بالقضاء .
والنيابة العامة دون أخذ رأيه ( مواد 3 ، 77 مكرراً "1" 77 مكرراً "2" من قانون السلطة القضائية ) . وتضم محكمة النقض فى تشكيلها عدداً من نواب رئيس المحكمة والمستشارين . ولا يعين فى محكمة النقض إلا خيرة رجال القضاء فى مصر كفاءة وسمعة وبعد العرض على الجمعية العامة لمحكمة النقض وموافقة مجلس القضاء الأعلى ( مادتان 3 ، 44 من قانون السلطة القضائية ) . وتتكون محكمة النقض من ثلاث وثلاثين دائرة منها أربع عشرة لنظر المواد الجنائية وتسع عشرة لنظر المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية والمواد الأخرى وهذه الدوائر يرأسها إما رئيس محكمة النقض أو أحد نوابه ، وعند الاقتضاء أقدم المستشارين بها ، وتتكون كل منها من عدد كاف من الأعضاء ، على أن تصدر الأحكام من خمسة منهم ( مادة 3 من قانون السلطة القضائية ) . وتشكل الجمعية العامة لمحكمة النقض هيئتين عامتين كل منها من أحد عشر مستشاراً برئاسة رئيس محكمة النقض أو أحد نوابه، إحداهما للمواد الجنائية و الأخرى للمواد المدنية والتجارية و الأحوال الشخصية وغيرها . وإذا رأت إحدى الدوائر العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة أحالت الدعوى إلى إحدى الهيئتين السابقتين بحسب الأحوال للفصل فيها ، وتصدر الهيئة أحكامها بالعدول بأغلبية سبعة أعضاء على الأقل .
أما إذا رأت دائرة العدول عن مبدأ قانونى قررته أحكام سابقة صادرة من دوائر أخرى ، جنائية ومدنية ، أحالت الدعوى إلى الهيئتين مجتمعتين للفصل فيها ، وتصدر الأحكام فى هذه الحالة بأغلبية أربعة عشر عضواً على الأقل( مادة 4 من قانون السلطة القضائية). وتقوم بأداء وظيفة النيابة العامة لدى محكمة النقض نيابة عامة مستقلة . ويكون لها بناء على طلب المحكمة حضور مداولات الدوائر المدنية والتجارية والأحوال الشخصية وغيرها من المواد ، دون أن يكون لممثلها صوت معدود فى المداولات وتؤلف من مدير يختار من بين مستشارى النقض أو الاستئناف أو المحامين العامين على الأقل ، يعاونه عدد كاف من الأعضاء من درجة وكيل نيابة ممتازة على الأقل . ويكون اختيار مدير النيابة وأعضائها بعد أخذ رأى رئيس محكمة النقض وموافقة مجلس القضاء الأعلى ( مادة 24 من قانون السلطة القضائية ) . وحرصاً من المشرع على توثيق أحكام محكمة النقض ونشرها ليعلم بها المشتغلون بتطبيق القانون ودارسوه ، فقد نص قانون السلطة القضائية على أن يكون بمحكمة النقض مكتب فنى يؤلف من رئيس يختار من بين مستشارى المحكمة ومن عدد كاف من الأعضاء من درجة مستشار أو رئيس محكمة أو قاض . ويكون اختيارهم بموافقة مجلس القضاء الأعلى بناء على ترشيح رئيس محكمة النقض .
وأهم اختصاصاته استخلاص المبادىء القانونية التى تقررها المحكمة فيما تصدره من الأحكام وتبويبها ومراقبة نشرها واصدار مجموعات الأحكام والنشرة التشريعية وإعداد البحوث الفنية والاشراف على جداول المحكمة وعرض الطعون المتماثلة والمرتبطة أو التى يحتاج الفصل فيها إلى تقرير مبدأ قانونى واحد على رئيس المحكمة لنظرها أمام دائرة واحدة ( مادة 5 من قانون السلطة القضائية ) . و الأحكام الجائز الطعن فيها بالنقض هى الأحكام الانتهائية سواء فى المواد الجنائية أو المواد المدنية والتجارية و الأحوال الشخصية وغيرها . وبالنسبة للمواد الجنائية لا يجوز الطعن إلا فى الأحكام الصادرة فى الجنايات و الجنح ( مادة 30 من قانون النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ) . وقد أجاز القانون للنائب العام الطعن لمصلحة القانون فى المواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية ، أيا كانت المحكمة التى أصدرت الحكم ودون التقيد بمواعيد الطعن ( مادة 250 من قانون المرافعات ) .
و أحوال الطعن بالنقض ، وسواء فى المواد الجنائية أو فى المواد المدنية و التجارية و الأحوال الشخصية وغيرها ، هى : ( 1 ) إذا كان الحكم مبنياً على مخالفة القانون ، أو على خطأ فى تطبيقه أو تأويله . ( 2 ) إذا وقع بطلان فى الحكم . ( 3 ) إذا وقع بطلان فى الإجراءات أثر فى الحكم . ( مادتان 30 من قانون النقض ، 248 من قانون المرافعات ) . و هذا الحق مخول فى المواد الجنائية لكل من النيابة العامة والمحكوم عليه والمسئول عن الحقوق المدنية والمدعى بها ، وفى المواد المدنية والتجارية و الأحوال الشخصية وغيرها للخصوم وللنائب العام لمصلحة القانون . ولمحكمة النقض ، طبقاً لقانون النقض ، ما يلى : - لها أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها ، إذا تبين لها أنه مبنى على مخالفة القانون أو على خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله ، أو أن المحكمة التى أصدرته لم تكن مشكلة وفقاً للقانون أو لا ولاية لها فى الفصل فى الدعوى ، أو إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون أصلح للمحكوم عليه يسرى على واقعة الدعوى ( مادة 35 فقرة ثانية من قانون النقض ) .
إذا اشتملت أسباب الحكم على خطأ فى القانون أو فى ذكر نصوصه ، وكانت العقوبة المحكوم بها مقررة فى القانون للجريمة ، لا تنقض المحكمة الحكم وتصحح الخطأ الذى وقع فيه ( مادة 40 من قانون النقض ) . وإذا كان الحكم صادراً حضورياً بعقوبة الاعدام ، وجب على النيابة العامة أن تعرض القضية على محكمة النقض فى خلال ميعاد الطعن ( 60 يوماً ) ، مشفوعاً برأيها فى الحكم ( مادة 46 من قانون النقض ) وذلك توفيراً للضمانات الكافية نحو التحقق من صحة إنزال هذه العقوبة الخطيرة ، مما يرتب إستبانة محكمة النقض لعيوب الحكم ، إذا وجدت ، من تلقاء نفسها غير مقيدة فى ذلك برأى النيابة العامة ، ولها أن تنقض الحكم سواء بسبب بطلانه أو الخطأ فى القانون.كذلك، وطبقاً للمادتين 93 ، 205 من الدستور ، تختص محكمة النقض بالتحقيق فى الطعون فى صحة عضوية أعضاء مجلسى الشعب والشورى دون أن تفصل فى صحة العضوية .
ولئن كان الاصل أن الأحكام النهائية واجبة التنفيذ ، إلا أن المشرع صوناً للعدالة التى تأبى تنفيذ أحكام مرجحة الالغاء ، أجاز لمحكمة النقض وقف تنفيذ الاحكام المطعون عليها فى المواد المدنية والتجارية و الأحوال الشخصية ، مؤقتاً ولحين الفصل فى الطعن ، إذا طلب ذلك فى صحيفة الطعن وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه . ( مادة 251 فقرة ثانية من قانون المرافعات المضافة بالقانون رقم 65 لسنة 1977 ) . كذلك ولذات العلة أجاز المشرع فى المواد الجنائية إذا كان الحكم صادراً من محكمة الجنايات بعقوبة سالبة للحرية ( مادة 36 مكرراً من قانون النقض المعدلة بالقانون رقم 23 لسنة 1992) . وفى جميع الأحوال ، على المحكمة إذا أمرت بوقف التنفيذ أن تحدد جلسة لنظر الطعن أمامها فى ميعاد لا يجاوز ستة شهور . والأصل أنه إذا ما نقضت محكمة النقض الحكم تعيد الدعوى إلى المحكمة التى أصدرته لتحكم فيه من جديد مشكلة من قضاة آخرين ( مادة 39 فقرة ثانية من قانون النقض ، 269 فقرة ثالثة من قانون المرافعات ) وذلك كفالة لحسن سير العدالة وكضمانة للمحكوم عليه . ومع ذلك ، إذا ما تبين لمحكمة النقض أن محكمة أول درجة لم تستنفد سلطتها فى نظر الموضوع ، فتعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل فيه .
وإذا ما نقضت محكمة النقض الحكم ، إقتصر نطاق الخصومة أمام المحكمة التى أحيلت إليها الدعوى على المسألة التى فصل فيها حكم النقض دون غيرها . كما تلتزم هذه المحكمة بحكم النقض فى الأحوال الآتية : ( 1 ) إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص ، تعين محكمة النقض المحكمة المختصة ، والتى تلتزم بالاختصاص ( مادة 269 فقرة أولى من قانون المرافعات ) . ( 2 ) إذا كان الحكم المطعون فيه صادراً بقبول دفع قانونى مانع من السير فى الدعوى ، كالحكم بعدم قبول الاستئناف شكلاً أو بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها ، ونقضته محكمة النقض واعادته إلى المحكمة التى اصدرته لنظر الموضوع ، فلا يجوز لهذه المحكمة أن تحكم بعكس ما قضت به محكمة النقض ( مادة 44 من قانون النقض ) . ( 3 ) لا يجوز لمحكمة الموضوع أن تحكم بعكس ما قررته الهيئة العامة للمواد الجنائية أو المدنية والتجارية و الأحوال الشخصية بمحكمة النقض . و إذا كانت القاعدة التقليدية أن محكمة النقض ليس لها بعد نقض الحكم أن تنظر موضوع القضية ، إلا إن القانون أجاز ذلك إذا كان الطعن بالنقض للمرة الثانية ( مادة 45 من قانون النقض ، 269 فقرة رابعة من قانون المرافعات ) . وأحكام النقض غير جائز الطعن فيها ، ومع ذلك ولأن العدالة تأبى تطبيق هذا الأصل بالنسبة إلى الأحكام الفاصلة فى شكل الطعن ، إذا بنيت على خطأ مادى ، فقد استقر قضاء النقض على أن للطاعن أن يطلب فى هذه الحالة من محكمة النقض إعادة النظر فى حكمها . وإن للسوابق القضائية التى قررتها محكمة النقض لدى المتقاضين ولدى المحاكم الأخرى منزلة القانون . ومن قضائها تقررت مختلف القواعد القانونية فى شتى مجالات القانون وثبت القضاء بها بلا خلاف .
ونزل الشارع على ملاحظاتها وتلافى عيوباً فى التشريع كشفت عنها وقنن قواعدها . ومن تأصيلها وتفسيرها وتفصيلها استلهم الفقه أهم مصادره . ومن مستشاريها منذ نشأتها نهل كل قضاة مصر أصول العمل القضائى وتقاليد القضاء ورفعته وشموخه وقيمه العليا الخالدة أبد الدهر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق